الإبادة الغربية في فلسطين- تاريخ من الاستعلاء والعنف المستمر

لماذا يطمئن وجدان صناع القرار في عواصم الغرب، وعلى رأسها مدن أوروبا وأميركا، وهم يقفون صفًا واحدًا، جنبًا إلى جنب، مع إسرائيل، الدولة التي تشن حربًا ضروسًا لا تعرف الرحمة، بل هي حرب إبادة شاملة ضد آخر معاقل الصمود الفلسطيني؟
هذه الحرب الشعواء ليست بالأمر المستغرب أو الجديد، إذا ما نظرنا إليها من زاوية الرؤية الغربية الأوروبية والأميركية، أو من خلال عدسة الحضارة الغربية الممتدة من أثينا وروما القديمتين، مرورًا بإسبانيا والبرتغال، ثم هولندا وفرنسا، وصولًا إلى بريطانيا وألمانيا، وأخيرًا أميركا والصهيونية. إنها حضارة قامت على أسس متينة من العنف المتأصل، وعلى مبدأ تفوق الغرب واستعلائه، والنظر إلى كل من هو ليس غربيًا أو أبيض البشرة نظرة دونية.
ففي نظر الغرب، هؤلاء "الآخرون" هم مجرد برابرة همجيين، أو متخلفين، أو وثنيين، وهي كلها مبررات واهية تُستخدم لتبرير جريمة الإبادة بقلب مطمئن وضمير مستريح، بل وتضفي عليها طابع القداسة والواجب المقدس، فتبيض وجهها وتنزع عنها كل ما يلحق بها من إثم.
العنف والاستعلاء صفتان لصيقان بالحضارة الغربية في جميع مراحلها وأطوارها، يلازمانها في وثنيتها ومسيحيتها واستعمارها. عنف لم يفارقها لحظة واحدة، فإذا لم تصدره إلى الخارج ضد "الأغيار"، مارسته ضد نفسها بين قبائلها، ثم بين مذاهبها الدينية، ثم بين قومياتها، ثم بين إمبراطورياتها المتصارعة التي اقتسمت النفوذ والنهب والسيطرة على القارات الست.
إبادة مادية ومعنوية
الغرب لا يستطيع العيش بدون حروب، وهذه الحروب لا تكتفي بتحطيم قوة الخصم، بل تتطور إلى إبادته بشكل كامل، سواء كانت إبادة مادية بمعنى محو الخصم من على وجه الأرض وإلغاء وجوده وحضوره في سجلات التاريخ، أو إبادة معنوية، أي نزع فاعليته بصورة قاطعة، وتشويه هويته، وفقدانه الثقة بنفسه، ودفعه إلى التنكر لذاته والانسلاخ من جوهره، والدوران الذليل في فلك الغرب المنتصر والقائد، من موقع المنهزم التابع، ذي النفسية المحطمة، والذهنية المشوهة، والروحانية المنحطة.
لقد نجح الغرب نجاحًا باهرًا في كلا النوعين من الإبادة، المادية والمعنوية، في مواجهة الشرق العربي والإسلامي، فخرج هذا الشرق، باستثناء المقاومة الفلسطينية الباسلة، من دائرة المواجهة، وأصبح يدور، مع بعض الاستثناءات الهامشية، في أفلاك الغرب المنتصر. وما الصهيونية إلا تجسيدًا حصريًا لهذا العنف والاستعلاء والتفوق الغربي.
الغرب، في فلسطين، يخوض معركته الأزلية التي بدأت منذ عهد اليونان والرومان، ومرورًا بالصليبيين والفرنسيين والإنجليز، وصولًا إلى الأميركان. فالصهيونية، في جوهرها، تخوض معركة الغرب، أو هي حلقة من حلقات مسلسل العنف الغربي الذي لا يتوقف عن التصدير إلى الشرق، قديمه وحديثه.
يتساوى المعنى تمامًا عندما نقرر أن الغرب يخوض معركة الصهيونية، مع المعنى عندما نقرر أن الصهيونية تخوض معركة الغرب. فالصهيونية، بالشكل الذي نعرفه، هي أداة حيوية من أدوات الغرب في السيطرة على الشرق، ولو لم تكن الصهيونية موجودة في هذا المكان وفي هذا التوقيت بالذات، لقام الغرب، دون أدنى تردد، باختراع ما يحل محلها ويقوم مقامها ويؤدي دورها.
لا حياة للغرب دون وضع الشرق العربي والإسلامي في القفص، وهو يقوم بهذه المهمة عن طريقين رئيسيين: توظيف الصهيونية، وتوظيف من يقبل التوظيف من بعض حكام الشرق، وبعض نخبه السياسية والفكرية والاقتصادية. فلم تعد الصهيونية وحدها في الخدمة، ولم تعد الصهيونية يهودية فقط، فقد تضافرت معها روافد عربية وإسلامية أخرى.
وهذا يفسر لنا المعضلة الكبرى: لماذا يصطف الغرب بأكمله، بقيادة أميركا، مع إسرائيل؟ ويفسر لنا أيضًا لماذا يتخلى الشرق العربي والإسلامي بأكمله عن المقاومة الفلسطينية.
جبهة واحدة
الغرب، متضامنًا مع الصهيونية، يتصرف كجبهة موحدة، وكحلف متين، تربطهما قناعة راسخة بأن هزيمة إسرائيل أمر غير مقبول على الإطلاق، وأن المساس بأمنها عمل غير مسموح به قطعيًا، وأن تهديد وجودها من جذوره يمثل خطرًا وجوديًا يتهدد الغرب ذاته. وذروة هذا الحلف والتحالف هو الإجماع على قيادة الولايات المتحدة الأميركية، التي لا ينازعها أحد في قيادتها، ولا يخرج عن مظلتها طرف آخر، وهي، بدورها، مخلصة لدورها القيادي كإمبراطورية وريثة للعنف والاستعلاء والتفوق الغربي.
فالرئيس الأميركي هو بمثابة إمبراطور كوني فعلي، يمتلك صلاحيات وسلطات لم يسبق أن امتلكها أي إمبراطور آخر من قبل، لا الإسكندر الأكبر، ولا قيصر، ولا هارون الرشيد، ولا سليمان القانوني، ولا الملكة فيكتوريا. ورغم كل ما يقال عن وجود توازن ورقابة متبادلة بين السلطات في النظام السياسي الأميركي، فإن مساءلة الرئيس أمام الكونغرس لا تحد من سلطاته المطلقة، فوزنه السياسي في أميركا والعالم، في نهاية المطاف، مستمد من وزن البنتاغون، ومن وزن وزارة الدفاع، ومن القدرة الهائلة غير المسبوقة في التاريخ على عسكرة الكون بأسره: بره وبحره وجوه وفضائه الأبعد. فالإمبراطورية الأميركية تقود الغرب بأكمله، بمن فيه الصهيونية، لتصفية آخر أنفاس الهوية المستقلة غير المنسحقة أمام الهيمنة الغربية والصهيونية في الشرق.
إن عمر إسرائيل هو نفسه عمر القيادة الأميركية، فكلاهما من علامات القرن العشرين، وهو القرن الذي تلاشت فيه آخر رابطة عالمية كانت تربط المسلمين. ففي مثل هذا الأسبوع من عام 1924م، سقطت آخر خلافة إسلامية، بعد أن عاشت سبعة قرون حافلة، منها قرنان في طور التكوين والتشكيل، وثلاثة قرون في ذروة التمكين والازدهار، وقرنان في الهبوط التدريجي والانحدار.
لقد وفرت الخلافة العثمانية، على مدى ثلاثة قرون، حوائط صد قوية تحمي الشرق الإسلامي من الغرب المسيحي، وبدأت في الأفول الفعلي مع غزو بونابرت لمصر عام 1798م، حيث لم تستطع صده عن مصر، ولكن حين تحرك من مصر قاصدًا الشام ومنها القدس، كانت جيوش الخلافة في انتظاره، وارتد على أعقابه خائبًا، وفشلت أول صهيونية حديثة.
صدمة وتخاذل
وبالمثل، عندما تحركت قوات الحلفاء من مصر قاصدة الشام، وفي القلب منه القدس، كانت القوات العثمانية تعسكر في انتظارهم على جبهة سيناء، ولكنها انهزمت أمام قوات الجنرال اللنبي في معركة بئر السبع في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1917م، وخرج اللنبي يواصل زحفه، الذي عجز عنه بونابرت، إلى القدس.
آثرت القوات العثمانية الانسحاب من المدينة المقدسة حتى لا يتم تدميرها إذا دارت الحرب على أسوارها، فخرجوا منها بعد أن وفروا لها الحماية لمدة 673 عامًا، ودخلها الجنرال اللنبي، فارتفعت في روما أجراس الكنائس ابتهاجًا وسرورًا، ومنذ ذلك التاريخ، التاسع من ديسمبر/كانون الأول 1917م، والقدس ترزح تحت نير الصليبية الجديدة، التي تتكفل بضمان وجود وبقاء وتفوق الصهيونية.
لا فرق يذكر بين مهمة الجنرال اللنبي ومهمة الرئيس الأميركي، أو إمبراطور الغرب الأخير، بايدن، أو من سبقه أو من سيخلفه، فأي جنرال مسيحي كان سيفعل ما فعله الجنرال اللنبي، وأي رئيس أميركي سوف يفعل ما يفعله الرئيس الحالي. وقل الشيء نفسه عن أي حاكم غربي، فلا فرق بين بطرس الناسك (1050 – 1115م)، ولويس التاسع (1212 – 1270م)، ونابليون بونابرت (1769 – 1821م)، والرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون، المولود في عام زيارة الرئيس السادات للقدس عام 1977م.
كذلك لا فرق بين الملك الألماني فريدريك الثاني (1194 – 1250م)، الذي أعاد استرداد القدس بعدما حررها صلاح الدين، ولا فرق بينه وبين الرئيس الألماني ووزيرة خارجيته الحاليين، إلا في أن فريدريك الثاني، بكل صليبيته، كان أكثر تعقلًا وأقل تعصبًا من قادة ألمانيا الحاليين، فهو لم يسترد القدس في أحضان الصليبيين بالحرب، ولكنه استغل الانقسامات والصراعات الدموية بين ورثة صلاح الدين، وحصل عليها سلمًا وهدية وعربون صداقة وتحالف من الملك الكامل (1177 – 1233م).
ويصف المؤرخ الدكتور قاسم عبده قاسم، في الصفحة 118 من كتابه "في تاريخ الأيوبيين والمماليك"، هذه الواقعة بقوله: "لقد جاء فريدريك الثاني بجيش هزيل، وفي عنقه قرار الحرمان البابوي، ولكنه عاد بمكاسب لم تستطع أي حملة صليبية أخرى أن تحققها منذ نجاح الحملة الصليبية الأولى التي احتلت القدس في السنوات الأخيرة من القرن الحادي عشر الميلادي".
ثم يقول في الصفحة 119: "كانت الصدمة عنيفة على العالم الإسلامي، إذ إن سياسة التخاذل والخوف التي سار عليها السلطان الكامل قد آتت ثمارها المرة في هذه المعاهدة الفضيحة، فقد سلم، دون قتال، كل ما فتحه المسلمون أيام جده صلاح الدين الأيوبي بعد حروب استرداد طويلة".
وعي فاسد
إن المقاومة الفلسطينية الباسلة، التي صمدت في شتاء 2023م – 2024م أمام تحالف الصليبية والصهيونية، هي آخر أنفاس صلاح الدين، أي آخر بقايا الوعي الصحيح بجوهر الصراع، الصراع بين الشرق الإسلامي كله والغرب المسيحي كله، وليس صراعات داخلية بين مسلمين ومسلمين. وذلك في مقابل نموذج الوعي الفاسد الذي يمثله الملك الكامل، ابن شقيق صلاح الدين، حيث تضطره صراعاته بين أشقائه الأيوبيين إلى التحالف مع العدو الاستراتيجي، ثم يكون تسليم القدس للصليبيين، كهدية ثمينة، هو ثمن هذا الوعي الفاسد والتحالف الخاطئ.
انظر حولك في عواصم العروبة والإسلام، ستجد أن الملك الكامل ما زال حيًا لم يمت. فالوعي الفاسد والتحالفات الخاطئة سلاح فتاك يرتد إلى صدر الأمة.
إن الوعي الفاسد، أو نموذج الملك الكامل، يقف وراء محنة المقاومة، والخذلان العربي والإسلامي، والانسحاب الصامت من اعتبار القضية الفلسطينية قضية الأمة بأسرها، وليست قضية الشعب الفلسطيني وحده، وبالتالي فإن أعباءها يجب توزيعها على كل العرب والمسلمين.
والأخطر من كل ذلك هو أن الوعي الفاسد يقف وراء عدم وضع إبادة المقاومة في مكانها الصحيح، فهي جزء من تاريخ طويل، وهي جزء من مشروع مستمر، وهي جزء من مستقبل ينتظرنا. أو هي، الإبادة، آلية معتمدة من آليات الغرب للتعامل معنا، أو للتعامل مع من يراه الغرب خطرًا يهدد مصالحه.
إيان لوو (Ian Law)، وهو باحث مرموق في دراسات العرقية والعنصرية، ومؤسس ومدير مركز دراسات العرقية والعنصرية في جامعة ليدز بالمملكة المتحدة، له كتاب قيم تمت ترجمته إلى العربية تحت عنوان: "العنصرية والتعصب العرقي: من التمييز إلى الإبادة الجماعية". في الفصل الأول من كتابه، يشرح لوو جذور فكرة التفوق العرقي، باعتبارها إحساسًا بالتميز ينتج عنه استعلاء الذات ثم ازدراء الآخرين. وهذا المركب من الاستعلاء والازدراء يترتب عليه عنف متزايد، وهذا العنف يصل في نهاية المطاف إلى الإبادة، ثم الإبادة تؤدي إلى مقاومة.
ويؤرخ الباحث إيان لوو، في الصفحة 54 من كتابه، أي الإبادة الجماعية، في النظام العالمي الحديث منذ مطلع القرن الخامس عشر فصاعدًا، مشيرًا إلى أن العرقية والتعصب العرقي قد حفرا لنفسيهما مكانًا راسخًا في ذاكرتنا وفهمنا للعالم عبر أشكال مروعة من الإبادة الجماعية.
عبودية أطلسية
وتتضمن هذه الأشكال من الإبادة الجماعية عمليات القتل الجماعي الممنهج للسكان الأصليين في الأميركتين وأستراليا في سياق الاستعمار الاستيطاني، أي الغزو والاحتلال وإحلال المستوطنين المستعمرين محل أهل المكان الأصليين. كذلك الإبادة الجماعية عبر ما يسمى "العبودية الأطلسية"، وهي جلب الرقيق، قسرًا وعنوة، للعمل في مزارع المستوطنين قهرًا. وقد ترتب على هذه العبودية البشعة مقتل ما بين 15 إلى 20 مليون إنسان.
وحتى نفهم حرب الإبادة الجارية الآن ضد الفلسطينيين، يجب علينا وضعها في سياقها الصحيح، وهو الاستعمار الاستيطاني الذي يسعى بكل السبل الممكنة للتخلص من أهل البلاد الأصليين. وحتى نفهم موقف الغرب المشارك، بكل ما يملك من قوة ونفوذ، في هذه الإبادة، يجب علينا أن ندرك أن سلوك الإبادة ليس طارئًا ولا عابرًا ولا هامشيًا ولا دخيلًا على الغرب، بل هو جذر تاريخي متجدد ومتأصل ومتواصل.
فلولا الإبادة ما تأسست الرأسمالية الغربية، ولولا الإبادة لما تأسست الدولة القومية في الغرب، ولولا الإبادة لما تأسس الاستعمار الغربي، ولولا الإبادة ما ترتب على الاستعمار من ديمقراطية وثورات علمية وتكنولوجية. ثم لولا الإبادة ما هيمن الغرب على العالم الحديث، وأعاد تشكيله وفقًا لأهوائه ورغباته. وتظل الإبادة جاهزة للاستخدام الفعلي كلما لزم الأمر في الحاضر والمستقبل، أو ما يسميه إيان لوو "القتل الجماعي أحادي الجانب" (صفحة 53). ثم يذكر الباحث بعض الأمثلة الصارخة على الإبادة الجماعية:
1- في منطقة الكاريبي، فيما يعرف الآن بهاييتي وجمهورية الدومينيكان، كان يسكنها ثمانية ملايين إنسان عندما دخلها المستعمر الإسباني. ثم، في خلال ثلاثين عامًا فقط، نجح القتل الجماعي أحادي الجانب في إفناء الملايين الثمانية، حتى لم يتبق منهم غير عشرين ألفًا فقط.
2- كندا والولايات المتحدة كان يسكنهما نحو عشرة ملايين نسمة قبل أن يستعمرهما الفرنسيون والإنجليز. ثم، على مدى خمسة قرون، تم إفناؤهم بشكل ممنهج، فلم يتبق منهم غير 237 ألفًا فقط، وذلك من خلال القتل الرسمي برعاية الدولة ذاتها، والقتل المباشر، وتفشي الأوبئة الفتاكة، والمجاعات القاتلة، وسرقة الأطفال، ومصادرة الغذاء، وحرمان السكان الأصليين من مواردهم الطبيعية.
3- في عام 1788م، كان سكان أستراليا الأصليون يبلغ عددهم سبعمائة وخمسين ألف نسمة (ثلاثة أرباع المليون). ولكن جرت إبادتهم بشكل وحشي حتى لم يتبق منهم في عام 1911م غير واحد وثلاثين ألفًا فقط، وذلك بالأساليب نفسها: المذابح المنظمة، وحملات الإبادة الوحشية، والأمراض الفتاكة، والمجاعات، وسرقة الأطفال، ومصادرة الموارد.
4- جزيرة تسمانيا، وهي إحدى جزر أستراليا، كان يعيش عليها، عام 1804م، قبل دخول المستعمرين الإنجليز، أربعة آلاف وخمسمائة نسمة. وفي غضون ثمانين عامًا فقط، حسبما يقول المؤلف، تمت إبادة كل من تجري في عروقهم دماء أصحاب الأرض الأصليين، فقد قُتل آخر رجل عام 1869م، ولقيت آخر امرأة حتفها في عام 1876م، ولم يبق على قيد الحياة إلا بعض المهجنين، أي من زيجات مشتركة.
كان المستعمرون يقومون برحلات صيد مروعة، حيث يقومون بتصويب رصاص البنادق ثم إطلاقه في عيون السكان الأصليين. وكان تسميم الطحين سلوكًا معتادًا من المستعمرين ضد السكان الأصليين (صفحة 58).
5- نموذج أكثر حداثة، وهي أول عملية إبادة جماعية افتتح بها القرن العشرون، وباكورة أعمال الألمان في سجل الإبادة. ففي ناميبيا، كان شعب الهيريرو يبلغ عدده ثمانين ألف نسمة، فأبادهم الألمان بشكل كامل حتى لم يتبق منهم غير ستة عشر ألفًا فقط.
يختتم المؤلف هذا الجزء من الفصل الأول بملاحظتين في قمة الشجاعة والإدانة:
الأولى: الإبادة الجماعية الاستعمارية استهدفت الاستيلاء على الأرض، والموارد الطبيعية والبشرية، ومن ثم كانت حجر الزاوية في بناء الرأسمالية الغربية.
الثانية: التطور الديمقراطي كان يسير جنبًا إلى جنب مع عمليات القتل الجماعي التي تأسست عليها إمبراطوريات الإسبان والبرتغاليين والهولنديين والإنجليز والفرنسيين.
وأضيف إليهم الأميركان والصهاينة.
